هل يقود الذهب العالم نحو 5000 دولار في 2026؟ تحليل شامل للمسار المقبل

عندما تجاوزت أسعار الذهب حاجز 4300 دولار للأوقية في منتصف أكتوبر الماضي، لم تكن تلك مجرد قفزة عابرة، بل إشارة واضحة على تحول جذري في نظرة المستثمرين العالميين للمعدن الأصفر. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً الآن: هل سيستمر هذا الصعود الجنوني نحو مستويات تاريخية جديدة في العام المقبل؟

البيئة العالمية تدفع الذهب نحو الأعلى

ما يحدث اليوم ليس مجرد موجة شراء عابرة، بل تحول هيكلي في السوق. البنوك المركزية حول العالم أضافت 244 طن ذهب خلال الربع الأول من 2025 وحدها، وهو أعلى من المتوسط التاريخي بـ 24%. الصين واصلت شراء الذهب للشهر الثاني والعشرين على التوالي، بينما تركيا والهند تتسابقان للتنويع بعيداً عن الدولار الأمريكي.

من جانب آخر، صناديق الذهب المتداولة في البورصة جذبت تدفقات نقدية ضخمة، حيث ارتفعت الأصول المُدارة إلى 472 مليار دولار. هذا المستوى قارب الذروة التاريخية البالغة 3929 طن، وهو إشارة قوية على أن الطلب المؤسسي لم يصل بعد لنقطة التشبع.

الطلب الاستثماري يكسر كل الأرقام القياسية

لم تشهد سوق الذهب في السابق مستويات طلب مثل ما يحدث حالياً. في الربع الثاني من 2025، وصل إجمالي الطلب إلى 1249 طن بزيادة 3% على أساس سنوي، لكن القيمة النقدية قفزت إلى 132 مليار دولار برفع 45%.

المستثمرون الأفراد دخلوا اللعبة بقوة، حيث أضاف نحو 28% من المستثمرين الجدد في الأسواق المتقدمة الذهب إلى محافظهم للمرة الأولى. هؤلاء المستثمرون لم يهربوا خلال فترات التصحيح البسيطة، بل استمروا في التمسك بمراكزهم، مما عزز استقرار الأسعار وأظهر التزام طويل الأجل بالمعدن الأصفر.

المعروض المحدود يعمق الفجوة

في حين يتسارع الطلب، فإن المعروض يتخلف كثيراً. الإنتاج من المناجم وصل إلى 856 طن في الربع الأول من 2025 بزيادة طفيفة 1% فقط. الأهم من ذلك، أن الذهب المعاد تدويره انخفض بنسبة 1%، حيث فضّل الحائزون الاحتفاظ بذهبهم بدلاً من بيعه على خلفية التوقعات الصعودية.

تكاليف التعدين تزداد بشكل مرعب. وصلت متوسط تكلفة الاستخراج العالمية إلى 1470 دولار للأوقية، وهو أعلى مستوى منذ عقد كامل. هذا يعني أن أي توسع في الإنتاج سيكون بطيئاً وباهظ التكاليف، مما يضمن استمرار نقص العرض على المدى المنظور.

الفيدرالي الأمريكي يرسل إشارات صعودية للذهب

في أكتوبر 2025، خفض البنك الفيدرالي الأمريكي الفائدة 25 نقطة أساس إلى نطاق 3.75-4.00%، وهو الخفض الثاني منذ ديسمبر 2024. الأسواق تتوقع خفضاً إضافياً في ديسمبر، مما قد يرفع إجمالي التخفيضات إلى ثلاثة في عام 2025. تقارير من بلاك روك تشير إلى أن الفيدرالي قد يستهدف معدل 3.4% بحلول نهاية 2026.

هذا السيناريو إيجابي جداً للذهب لأن معدلات الفائدة المنخفضة تقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاستثمار في معدن لا يدر فائدة. السندات الحكومية الأمريكية لأجل 10 سنوات انخفضت عوائدها من 4.6% إلى 4.07%، مما يعني أن العوائد الحقيقية بعد خصم التضخم تنحسر تدريجياً.

العملات الضعيفة والديون الضخمة تدعم الطلب

الدولار الأمريكي تراجع 7.64% من ذروته منذ بداية العام، وهو ما يجعل الذهب أرخص للمشترين الأجانب. في نفس الوقت، الديون العامة العالمية تجاوزت 100% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أثار مخاوف بشأن استدامة السياسات المالية.

صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يحذران من أن هذه المستويات من الديون غير مستدامة على المدى الطويل. المستثمرون يتحولون إلى الذهب كملاذ آمن من هذه المخاطر. بيانات بلومبرغ أظهرت أن 42% من صناديق التحوط الكبرى عززت مراكزها في الذهب خلال الربع الثالث من 2025.

التوترات الجيوسياسية تشعل الطلب

النزاعات التجارية والتوترات في مضيق تايوان والقلق على إمدادات الطاقة رفعت الطلب على الذهب بنسبة 7% على أساس سنوي. عندما تصاعدت الأزمات الجيوسياسية، قفز الذهب من 3400 دولار في يوليو إلى 4300 دولار في أكتوبر.

هذا النمط التاريخي يوضح كيف يتحرك الذهب بسرعة فائقة مع الأزمات. في بيئة 2026 المليئة بعدم اليقين، من المتوقع أن تبقى هذه العامل الداعم نشطاً.

ماذا تقول أكبر البنوك الاستثمارية؟

HSBC يتوقع أن يصل الذهب إلى 5000 دولار في النصف الأول من 2026 مع متوسط سنوي 4600 دولار. البنك يرى أن الزخم الحالي سيستمر بقوة في الأشهر الأولى من السنة الجديدة.

بنك أوف أمريكا رفع توقعاته أيضاً إلى 5000 دولار كذروة محتملة، لكنه يحذر من احتمالية تصحيح قصير الأجل إذا بدأ المستثمرون بجني الأرباح.

غولدمان ساكس عدّل توقعه إلى 4900 دولار للأوقية، مشيراً إلى التدفقات القوية نحو صناديق الذهب والاستمرار في شراء البنوك المركزية.

جيه بي مورغان يتوقع وصول الذهب إلى 5055 دولار بحلول منتصف 2026، وفقاً لأحدث أبحاثه.

النطاق الأكثر اتفاقاً بين المحللين هو 4800 إلى 5000 دولار كذروة محتملة في 2026، مع متوسط يتراوح بين 4200 و4800 دولار للعام الكامل.

التصحيحات قد تحدث، لكن المسار صاعد

هذا لا يعني أن الذهب سيصعد في خط مستقيم. HSBC يحذر من احتمالية تصحيح نحو 4200 دولار في النصف الثاني من 2026 إذا لجأ المستثمرون لجني الأرباح. غولدمان ساكس يشير إلى أن الأسعار فوق 4800 دولار قد تواجه “اختبار المصداقية”، خاصة مع ضعف الطلب الصناعي.

لكن محللي جيه بي مورغان ودويتشه بنك يتفقان على أن الذهب دخل منطقة سعرية جديدة يصعب كسرها نحو الأسفل. الدعم القوي يبدأ من 3800 دولار، وأي هبوط أقل من ذلك سيتطلب صدمة اقتصادية كبرى جداً.

التحليل الفني يرسم صورة محايدة حالياً

في أواخر نوفمبر 2025، كان سعر الذهب يتداول حول 4065 دولار، بعدما لامس ذروة 4381 دولار في أكتوبر. السعر كسر خط القناة الصاعدة، لكنه لا يزال يتمسك بخط الاتجاه الصاعد الرئيسي.

مؤشر القوة النسبية (RSI) يستقر عند 50، مما يعني أن السوق في حالة محايدة تماماً بين البائعين والمشترين. مؤشر MACD يبقى فوق الصفر، مؤكداً أن الاتجاه العام صاعد.

المستويات الحرجة للمراقبة: الدعم عند 4000 دولار والمقاومة الأولى عند 4200 دولار. اختراق 4200 يفتح الطريق نحو 4400 و4680.

توقعات الذهب في الشرق الأوسط تبدو مثيرة

في مصر، من المتوقع أن يصل الذهب إلى حوالي 522,580 جنيه مصري للأوقية بحلول 2026، وهي زيادة 158% من المستويات الحالية.

في السعودية والإمارات، إذا ترجمنا التوقع العالمي 5000 دولار للأوقية، قد نشهد أسعاراً تقترب من 18,750 إلى 19,000 ريال سعودي و18,375 إلى 19,000 درهم إماراتي على التوالي (بناءً على أسعار الصرف الثابتة).

الخلاصة: الذهب يحتفظ بأوراق الرابح

رغم التقلبات قصيرة الأجل المتوقعة، فإن المسار الأساسي للذهب في 2026 يبدو صاعداً بقوة. البنوك المركزية ستستمر في الشراء، المستثمرون الأفراد التزموا بمراكزهم، المعروض محدود، والفيدرالي يخفض الفائدة.

المخاطر الرئيسية: انفجار مفاجئ في الثقة بالأسواق قد يقلل الطلب على التحوط، أو عودة قوية للتضخم قد تجبر البنك المركزي على رفع الفائدة مجدداً. لكن في السيناريو الأساسي الأكثر احتمالاً، الذهب سيختبر مستويات جديدة تاريخية في 2026.