نادراً ما كان هناك متداولون في التاريخ مثل ليفرمو، الذين يستطيعون أن يهيمنوا على الأسواق المالية ويخسروا في اختياراتهم الشخصية. تُعتبر قصته كلاسيكية من قبل عمالقة الاستثمار مثل بيركشاير، سوروس، ولا تزال قوانينه التداولية تُدرس من قبل فرق التداول الكمي، لكن في النهاية، أنهى هذا الدب الكبير في وول ستريت حياته في غرفة ملابس فندق. هذه ليست مجرد مأساة شخص واحد، بل هي أسطورة عن كيف تبتلع الطبيعة البشرية والرغبات عبقرية الإنسان.
هروب من المزرعة: انطلاقه وهو في الرابعة عشرة من عمره بـ180 دولاراً
وُلد ليفرمو عام 1877، وقضى طفولته في مزرعة فقيرة في ماساتشوستس. كان يقرأ ويكتب وهو في الثالثة من عمره، ويقرأ الأقسام المالية وهو في الخامسة، مما كان يشير إلى أنه ليس من نوع المزارعين. لكن موقف والده الصارم جعل الأمور معقدة — كان مصراً على أن يرث هذا الولد الذكي هوية المزارع.
غير أن سر والدته غير كل شيء. جمعت 5 دولارات (ما يعادل الآن 180 دولاراً) وساعدت ابنها البالغ من العمر 14 عاماً على الهروب من المزرعة في ربيع عام 1891، وركبت معه القطار إلى بوسطن. لم يكن هذا هروباً أعمى، بل هو مقامرة من قبل أم على عبقرية ابنها.
عند وصوله إلى المدينة المزدحمة، لم يتبع ليفرمو خطة والدته للانضمام إلى أقارب، بل جذبته أرقام لوحة الأسعار أمام مبنى شركة بين ويبر للوساطة المالية. استغل مظهره الناضج قليلاً وتقدم لوظيفة مسجل أسعار. ومن هنا بدأ بناء إمبراطورية التداول بصمت.
من مسجل إلى متداول: أسرار وراء الأرقام
عمله في بين ويبر بدا عادياً، لكنه كان نقطة انطلاق لذكائه المفاجئ. موهبة الرياضيات القوية مكنته من اكتشاف أنماط في الأرقام:
أسعار السكك الحديدية المتحدة عبر المحيط الهادئ تتغير بشكل متكرر في أوقات معينة، وكأنها تتأثر بـ"مد والجزر غير المرئيين"؛ تصحيحات الأسهم غالباً تكون 3/8 من الارتفاع السابق، ويكرر هذا النسبة؛ أوامر الشراء الكبيرة غالباً ما تكون عند مستويات نفسية محددة.
هذه الملاحظات شكلت أساس التحليل الفني الحديث. في سن 16، قرر ليفرمو مغادرة بين ويبر والانخراط في سوق العقود الآجلة (وهي سوق مبكرة للعقود مقابل الفروقات). استثمر 5 دولارات، وحقق أول ربح له بقيمة 3.12 دولار. بعد ذلك بقليل، أصبح في سن العشرين، يحقق 10,000 دولار من سوق المقامرة في بوسطن (ما يعادل الآن 30 مليون دولار)، وذاع صيته حتى تم حظره من قبل اتحاد المقامرة المحلي.
كأنه شاب موهوب يربح كثيراً في الكازينو، ثم يُمنع من الدخول — ليصبح ليفرمو أحد أوائل “المتداولين غير المرغوب فيهم” في وول ستريت.
إخفاقات في نيويورك: مجوهرات العروس والإفلاس
في عام 1899، انتقل ليفرمو إلى نيويورك، إلى منصة أكبر. سرعان ما تعرف وتزوج من فتاة هندية تدعى ناتي جوردان. لكن تعقيدات مركز المال كانت أكبر بكثير من بوسطن. كان يعتمد على بيانات تلقائية لجمع الأسعار، لكنه لم يلاحظ أن هذه البيانات تتأخر 30 إلى 40 دقيقة عن السوق الحقيقي — وهو ثغرة قاتلة.
خلال أقل من عام، تعرض لأول مرة للإفلاس. وللعودة إلى الطريق الصحيح، طلب من زوجته الجديدة أن تبيع مجوهراتها التي اشترتها له. رفضت، وتدهورت علاقتهما تدريجياً خلال السبع سنوات التالية. لم تكن مجرد مصاعب مالية، بل كانت أول مواجهة حقيقية لعبقري متداول أمام الواقع.
الزلزال والبيع على المكشوف: صفقة غيرت وول ستريت
بعد سنوات من الإفلاس، بدأ ليفرمو يجمع ثروته تدريجياً، وفي عام 1906، بلغ 100,000 دولار. لكنه بدأ يشك في محافظته الزائدة. أثناء إجازته في بالم بيتش، حدثت حادثة غيرت مساره بشكل جذري.
في 18 أبريل 1906، ضرب زلزال بقوة 7.9 درجة سان فرانسيسكو، وأعقبه حريق هائل. كانت شركة السكك الحديدية المتحدة عبر المحيط الهادئ، التي تعتبر من أهم مراكز النقل في الغرب، تواجه خسائر فادحة. توقعات السوق كانت تشير إلى ارتفاع أسعار الأسهم بسبب إعادة الإعمار، لكن تحليله كان يتجه عكس ذلك:
الزلزال أدى إلى انخفاض حاد في حجم الشحنات؛ شركات التأمين ستدفع تعويضات، وربما تبيع الأسهم؛ وتقارير الشركة ستظهر نتائج أدنى من المتوقع.
لم يسرع في البيع على المكشوف، بل انتظر حتى وصل السعر إلى مقاومة فنية مهمة، ثم بدأ في بناء مراكز قصيرة عبر عدة وسطاء، مستخدماً رافعة مالية معتدلة مع تحكم صارم في حجم الصفقات. العملية تمت على ثلاث مراحل:
في أبريل ومايو، بدأ في شراء عند 160 دولار؛ في يونيو، بعد صدور تقارير سلبية، انخفض السعر إلى ما دون 150 دولار، فزاد مراكزه؛ في يوليو، مع انتشار الذعر، هبط السعر إلى حوالي 90 دولار، فغلق مراكزه. حقق أرباحاً تزيد عن 250,000 دولار، أي ما يعادل الآن 7.5 مليون دولار.
هذه الصفقة أظهرت جوهر فلسفة ليفرمو في التداول: التحليل الأساسي مع الإشارات الفنية، والمعلومات مع إدارة المخاطر، والصبر مع التنفيذ الحاسم.
هلع 1907: معركة أسطورية بـ3 ملايين دولار
في خريف 1907، اكتشف ليفرمو أن شركة الثقة في نيويورك تستخدم رافعة مالية عالية للاستثمار في سندات الشركات الرديئة، وأن سعر الفائدة بين البنوك ارتفع من 6% إلى 100% — وهو مؤشر واضح على أزمة السيولة. تظاهر بأنه عميل للتحقيق، وتأكد من أن العديد من شركات الثقة تملك أصولاً ضعيفة.
في أكتوبر، بدأ في البيع على المكشوف بشكل متفرق لأسهم ذات وزن كبير مثل السكك الحديدية المتحدة، والصلب الأمريكي. بعد 14 يوماً، شكك علناً في قدرة شركة نيكبورك على الوفاء بالتزاماتها، وخلال ثلاثة أيام، أعلنت إفلاسها، مما زاد من الذعر في السوق.
في 22 أكتوبر، باع بشكل مركز قبل إغلاق السوق، مستخدماً تقنية “الهرم” (إضافة مراكز بعد كل ربح)، مما أدى إلى تفعيل أوامر وقف الخسارة الآلية. في 24 أكتوبر، طلب رئيس بورصة نيويورك منه التوقف عن البيع على المكشوف، محذراً من انهيار كامل للسوق. هبط مؤشر داو جونز بنسبة 8%، وبدأت مجموعة مورغان في التدخل لإنقاذ السوق.
قبل أن تتلقى مجموعة مورغان استثماراتها، أغلق ليفرمو 70% من مراكزه القصيرة بدقة، وحقق أرباحاً قدرها 3 ملايين دولار، أي ما يعادل الآن 100 مليون دولار. خلال أسبوع، ارتقى من شخصية معروفة إلى أسطورة.
رد فعله كان هادئاً وساخراً: “السوق بحاجة إلى تنظيف شامل.”
خدعة القطن: عقاب العبقري لنفسه
لكن العباقرة يمكن أن يُخدعوا بالرغبات. في عشرينيات القرن الماضي، تعرف ليفرمو على تيدي برايس، أحد خبراء صناعة القطن. كان يروج للقطن بشكل متفائل، لكنه كان يتعاون مع المزارعين لبيع الأسهم على المكشوف. استغل رغبة ليفرمو في إثبات قدرته على التداول عبر الأسواق المختلفة، وبدأ يزرع لديه فكرة “نقص المعروض”.
حتى عندما اكتشف ليفرمو أن الواقع عكس ذلك تماماً، ظل يثق بصديقه، واحتفظ بعقود شراء 300 مليون رطل من القطن — وهو حجم يفوق المعقول بكثير. في النهاية، خسر 3 ملايين دولار، مساوياً لكل أرباحه من البيع على المكشوف عام 1907. هذا الفشل دفعه إلى تصفية مراكزه في أسواق أخرى، مما أدى إلى إفلاسه المستمر في 1915-1916.
لقد خالف ليفرمو قوانينه الثلاثة الأساسية: عدم الثقة في نصائح الآخرين، وعدم تسوية الخسائر، وعدم السماح للسرد أن يتفوق على إشارات السعر. يمكن القول إنه تعرض للخديعة، لكنه في الحقيقة كان عقاباً ذاتياً من عبقري — أو هو فشل المقامر في رهانه النهائي.
إعادة البناء من الرماد: من 5 آلاف إلى 3 ملايين
بعد خسارته في سوق القطن، قدم ليفرمو طلب إفلاس، واحتفظ فقط بـ5,000 دولار للمعيشة. حصل على قرض سري من خصمه السابق، دانييل ويليامسون، بشرط أن ينفذ جميع صفقاته من قبل الأخير — وهو نوع من الرقابة، لكنه أيضاً فرض عليه الانضباط في التداول. اضطر لاستخدام رافعة مالية 1:5 (بعد أن كان معتاداً على 1:20)، مع تحديد حجم المركز عند 10% من رأس المال.
هذه القيود كانت بمثابة خلاصه.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، زادت طلبات الأسلحة الأمريكية بشكل كبير. تسربت تقارير غير معلنة عن شركة بيلينغهام للصلب، وارتفعت أحجام التداول مع استقرار الأسعار — وهو مؤشر على تجميع السيولة. بدأ من 5,000 دولار، وفي يوليو 1915، اشترى بنسبة 5% من رأس ماله عند سعر 50 دولار. في أغسطس، زاد إلى 30% عند 60 دولار. في سبتمبر، رفض وقف الخسارة عند 58 دولار، لأنه رأى أن الاتجاه الصاعد لم ينكسر.
بحلول يناير من العام التالي، ارتفعت الأسهم إلى 700 دولار — أي 14 ضعف الربح. وحقق مرة أخرى 3 ملايين دولار.
المال والطبيعة البشرية: سلاح وول ستريت النهائي يوجه نحو نفسه
على مدى الثلاثين عاماً التالية، استمر ليفرمو في قصته عن المال والنساء. أنشأ شركة تداول رسمية، وحقق أرباحاً بقيمة 15 مليون دولار، وامتلك مكتباً ضخماً يضم 60 موظفاً. في 1925، حقق مليون دولار من تداول القمح والذرة. وفي انهيار وول ستريت عام 1929، حقق مرة أخرى مليار دولار من البيع على المكشوف.
لكن هذه الأموال استُهلكت في الطلاق، والضرائب، والإنفاق المفرط.
بعد طلاقه الطويل من زوجته الأولى، تزوج من راقصة موهوبة من فرقة زيغفيلد، دُرّجت على أنها عشيقته، وأنجب منها طفلين، لكنه كان على علاقة غرامية مع مغنية الأوبرا الأوروبية أنيتا فينيس، حتى أنه سمى يخته الفاخر باسمها. كانت دُرّوسي تدمع من الكحول، وفي عام 1931، طلقها، وحصل على 10 ملايين دولار كتعويض، وبيع ممتلكاته التي اشتراها بـ3.5 مليون دولار بسعر بخس قدره 22,200 دولار.
في 1932، التقى ليفرمو بامرأة تدعى هارييت ميتس نوبل، كانت تبلغ من العمر 38 عاماً، وربما أساءت تقدير وضعه المالي حينها — إذ كان مديوناً بمبلغ 2 مليون دولار. بعد إفلاسه الأخير في 1934، اضطُر هو ورفيقته للانتقال من شقتهما في مانهاتن، والاعتماد على بيع المجوهرات للعيش.
كتب مجلة نيويوركر: “ليفيرمو دقيق كالمشرط في السوق، لكنه أعمى تماماً في الحب. طوال حياته، كان يبيع على المكشوف في السوق، لكنه دائمًا يشتري في الحب — وكلاهما أدّيا إلى إفلاسه.”
النهاية: صوت الرصاص والكلمات الأخيرة
في نوفمبر 1940، انتحرت هارييت في غرفة فندق باستخدام مسدس ليفرمو، وكتبت في رسالة أنها “لا تستطيع تحمل الفقر وإدمانه على الكحول”. وفي 28 نوفمبر 1941، قبل عيد الشكر، سُمع صوت إطلاق نار في غرفة ملابس فندق شيري-هولاند في مانهاتن.
كان عمره 63 عاماً، واختتم حياته بمسدس كولت من عيار 32، وهو نفس السلاح الذي اشتراه بعد أن حقق أرباحه الكبيرة من البيع على المكشوف عام 1907، وكأنه دائرة القدر.
كتب على ورقة صغيرة ثلاث جمل:
“حياتي كانت فشلاً”
“لقد سئمت من القتال، ولم أعد أتحمل”
“هذه هي الخروج الوحيد”
وكان معه فقط 8.24 دولارات نقداً وتذكرة سباق خاسرة منتهية الصلاحية. حضر جنازته 15 شخصاً، بينهم اثنان من الدائنين. كانت لوحته في البداية فارغة، حتى جمع معجبوه في عام 1999 ليكتبوا عليها:
“حياته أثبتت أن أشرس سلاح في التداول سينقض على صاحبه في النهاية.”
تأملات الأتباع: ماذا ترك ليفرمو؟
مر ليفرمو بأربع حالات من الصعود والهبوط، وأصبحت قوانينه في التداول مرجعاً كلاسيكياً. رغم أن حياته انتهت بمأساة، إلا أن رؤاه عن السوق والطبيعة البشرية لا تزال ذات صلة حتى اليوم:
“وول ستريت لم تتغير أبداً. الجيوب تغيرت، والأسهم تغيرت، لكن وول ستريت لم تتغير لأنها لا تتغير طبيعة الإنسان.”
“الربح الكبير يعتمد على الانتظار، وليس على التداول المتكرر.”
“السوق لها جانب واحد فقط، وليس صعودياً أو هبوطياً، بل الجانب الصحيح.”
“المضاربة هي أمتع لعبة في العالم، لكن الأحمق لا يمكنه لعبها، والكسول لا ينبغي له أن يلعبها، والضعيف نفسياً لا يُسمح له بالمخاطرة.”
مأساة ليفرمو ليست بسبب نقص في قدرته على التداول، بل بسبب استسلامه لضعف الإنسان. كان يستطيع التنبؤ بدقة بالسوق، لكنه لم يكن قادرًا على التنبؤ برغباته. قصته تذكر كل متداول: السيطرة على السوق أسهل بكثير من السيطرة على النفس. الدرس الأول في إدارة المخاطر هو دائماً إدارة النفس.
شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
من 5 دولارات إلى مليونير: أسطورة وول ستريت ودماره الذاتي ليفمور
المقدمة: مفارقة العبقري
نادراً ما كان هناك متداولون في التاريخ مثل ليفرمو، الذين يستطيعون أن يهيمنوا على الأسواق المالية ويخسروا في اختياراتهم الشخصية. تُعتبر قصته كلاسيكية من قبل عمالقة الاستثمار مثل بيركشاير، سوروس، ولا تزال قوانينه التداولية تُدرس من قبل فرق التداول الكمي، لكن في النهاية، أنهى هذا الدب الكبير في وول ستريت حياته في غرفة ملابس فندق. هذه ليست مجرد مأساة شخص واحد، بل هي أسطورة عن كيف تبتلع الطبيعة البشرية والرغبات عبقرية الإنسان.
هروب من المزرعة: انطلاقه وهو في الرابعة عشرة من عمره بـ180 دولاراً
وُلد ليفرمو عام 1877، وقضى طفولته في مزرعة فقيرة في ماساتشوستس. كان يقرأ ويكتب وهو في الثالثة من عمره، ويقرأ الأقسام المالية وهو في الخامسة، مما كان يشير إلى أنه ليس من نوع المزارعين. لكن موقف والده الصارم جعل الأمور معقدة — كان مصراً على أن يرث هذا الولد الذكي هوية المزارع.
غير أن سر والدته غير كل شيء. جمعت 5 دولارات (ما يعادل الآن 180 دولاراً) وساعدت ابنها البالغ من العمر 14 عاماً على الهروب من المزرعة في ربيع عام 1891، وركبت معه القطار إلى بوسطن. لم يكن هذا هروباً أعمى، بل هو مقامرة من قبل أم على عبقرية ابنها.
عند وصوله إلى المدينة المزدحمة، لم يتبع ليفرمو خطة والدته للانضمام إلى أقارب، بل جذبته أرقام لوحة الأسعار أمام مبنى شركة بين ويبر للوساطة المالية. استغل مظهره الناضج قليلاً وتقدم لوظيفة مسجل أسعار. ومن هنا بدأ بناء إمبراطورية التداول بصمت.
من مسجل إلى متداول: أسرار وراء الأرقام
عمله في بين ويبر بدا عادياً، لكنه كان نقطة انطلاق لذكائه المفاجئ. موهبة الرياضيات القوية مكنته من اكتشاف أنماط في الأرقام:
أسعار السكك الحديدية المتحدة عبر المحيط الهادئ تتغير بشكل متكرر في أوقات معينة، وكأنها تتأثر بـ"مد والجزر غير المرئيين"؛ تصحيحات الأسهم غالباً تكون 3/8 من الارتفاع السابق، ويكرر هذا النسبة؛ أوامر الشراء الكبيرة غالباً ما تكون عند مستويات نفسية محددة.
هذه الملاحظات شكلت أساس التحليل الفني الحديث. في سن 16، قرر ليفرمو مغادرة بين ويبر والانخراط في سوق العقود الآجلة (وهي سوق مبكرة للعقود مقابل الفروقات). استثمر 5 دولارات، وحقق أول ربح له بقيمة 3.12 دولار. بعد ذلك بقليل، أصبح في سن العشرين، يحقق 10,000 دولار من سوق المقامرة في بوسطن (ما يعادل الآن 30 مليون دولار)، وذاع صيته حتى تم حظره من قبل اتحاد المقامرة المحلي.
كأنه شاب موهوب يربح كثيراً في الكازينو، ثم يُمنع من الدخول — ليصبح ليفرمو أحد أوائل “المتداولين غير المرغوب فيهم” في وول ستريت.
إخفاقات في نيويورك: مجوهرات العروس والإفلاس
في عام 1899، انتقل ليفرمو إلى نيويورك، إلى منصة أكبر. سرعان ما تعرف وتزوج من فتاة هندية تدعى ناتي جوردان. لكن تعقيدات مركز المال كانت أكبر بكثير من بوسطن. كان يعتمد على بيانات تلقائية لجمع الأسعار، لكنه لم يلاحظ أن هذه البيانات تتأخر 30 إلى 40 دقيقة عن السوق الحقيقي — وهو ثغرة قاتلة.
خلال أقل من عام، تعرض لأول مرة للإفلاس. وللعودة إلى الطريق الصحيح، طلب من زوجته الجديدة أن تبيع مجوهراتها التي اشترتها له. رفضت، وتدهورت علاقتهما تدريجياً خلال السبع سنوات التالية. لم تكن مجرد مصاعب مالية، بل كانت أول مواجهة حقيقية لعبقري متداول أمام الواقع.
الزلزال والبيع على المكشوف: صفقة غيرت وول ستريت
بعد سنوات من الإفلاس، بدأ ليفرمو يجمع ثروته تدريجياً، وفي عام 1906، بلغ 100,000 دولار. لكنه بدأ يشك في محافظته الزائدة. أثناء إجازته في بالم بيتش، حدثت حادثة غيرت مساره بشكل جذري.
في 18 أبريل 1906، ضرب زلزال بقوة 7.9 درجة سان فرانسيسكو، وأعقبه حريق هائل. كانت شركة السكك الحديدية المتحدة عبر المحيط الهادئ، التي تعتبر من أهم مراكز النقل في الغرب، تواجه خسائر فادحة. توقعات السوق كانت تشير إلى ارتفاع أسعار الأسهم بسبب إعادة الإعمار، لكن تحليله كان يتجه عكس ذلك:
الزلزال أدى إلى انخفاض حاد في حجم الشحنات؛ شركات التأمين ستدفع تعويضات، وربما تبيع الأسهم؛ وتقارير الشركة ستظهر نتائج أدنى من المتوقع.
لم يسرع في البيع على المكشوف، بل انتظر حتى وصل السعر إلى مقاومة فنية مهمة، ثم بدأ في بناء مراكز قصيرة عبر عدة وسطاء، مستخدماً رافعة مالية معتدلة مع تحكم صارم في حجم الصفقات. العملية تمت على ثلاث مراحل:
في أبريل ومايو، بدأ في شراء عند 160 دولار؛ في يونيو، بعد صدور تقارير سلبية، انخفض السعر إلى ما دون 150 دولار، فزاد مراكزه؛ في يوليو، مع انتشار الذعر، هبط السعر إلى حوالي 90 دولار، فغلق مراكزه. حقق أرباحاً تزيد عن 250,000 دولار، أي ما يعادل الآن 7.5 مليون دولار.
هذه الصفقة أظهرت جوهر فلسفة ليفرمو في التداول: التحليل الأساسي مع الإشارات الفنية، والمعلومات مع إدارة المخاطر، والصبر مع التنفيذ الحاسم.
هلع 1907: معركة أسطورية بـ3 ملايين دولار
في خريف 1907، اكتشف ليفرمو أن شركة الثقة في نيويورك تستخدم رافعة مالية عالية للاستثمار في سندات الشركات الرديئة، وأن سعر الفائدة بين البنوك ارتفع من 6% إلى 100% — وهو مؤشر واضح على أزمة السيولة. تظاهر بأنه عميل للتحقيق، وتأكد من أن العديد من شركات الثقة تملك أصولاً ضعيفة.
في أكتوبر، بدأ في البيع على المكشوف بشكل متفرق لأسهم ذات وزن كبير مثل السكك الحديدية المتحدة، والصلب الأمريكي. بعد 14 يوماً، شكك علناً في قدرة شركة نيكبورك على الوفاء بالتزاماتها، وخلال ثلاثة أيام، أعلنت إفلاسها، مما زاد من الذعر في السوق.
في 22 أكتوبر، باع بشكل مركز قبل إغلاق السوق، مستخدماً تقنية “الهرم” (إضافة مراكز بعد كل ربح)، مما أدى إلى تفعيل أوامر وقف الخسارة الآلية. في 24 أكتوبر، طلب رئيس بورصة نيويورك منه التوقف عن البيع على المكشوف، محذراً من انهيار كامل للسوق. هبط مؤشر داو جونز بنسبة 8%، وبدأت مجموعة مورغان في التدخل لإنقاذ السوق.
قبل أن تتلقى مجموعة مورغان استثماراتها، أغلق ليفرمو 70% من مراكزه القصيرة بدقة، وحقق أرباحاً قدرها 3 ملايين دولار، أي ما يعادل الآن 100 مليون دولار. خلال أسبوع، ارتقى من شخصية معروفة إلى أسطورة.
رد فعله كان هادئاً وساخراً: “السوق بحاجة إلى تنظيف شامل.”
خدعة القطن: عقاب العبقري لنفسه
لكن العباقرة يمكن أن يُخدعوا بالرغبات. في عشرينيات القرن الماضي، تعرف ليفرمو على تيدي برايس، أحد خبراء صناعة القطن. كان يروج للقطن بشكل متفائل، لكنه كان يتعاون مع المزارعين لبيع الأسهم على المكشوف. استغل رغبة ليفرمو في إثبات قدرته على التداول عبر الأسواق المختلفة، وبدأ يزرع لديه فكرة “نقص المعروض”.
حتى عندما اكتشف ليفرمو أن الواقع عكس ذلك تماماً، ظل يثق بصديقه، واحتفظ بعقود شراء 300 مليون رطل من القطن — وهو حجم يفوق المعقول بكثير. في النهاية، خسر 3 ملايين دولار، مساوياً لكل أرباحه من البيع على المكشوف عام 1907. هذا الفشل دفعه إلى تصفية مراكزه في أسواق أخرى، مما أدى إلى إفلاسه المستمر في 1915-1916.
لقد خالف ليفرمو قوانينه الثلاثة الأساسية: عدم الثقة في نصائح الآخرين، وعدم تسوية الخسائر، وعدم السماح للسرد أن يتفوق على إشارات السعر. يمكن القول إنه تعرض للخديعة، لكنه في الحقيقة كان عقاباً ذاتياً من عبقري — أو هو فشل المقامر في رهانه النهائي.
إعادة البناء من الرماد: من 5 آلاف إلى 3 ملايين
بعد خسارته في سوق القطن، قدم ليفرمو طلب إفلاس، واحتفظ فقط بـ5,000 دولار للمعيشة. حصل على قرض سري من خصمه السابق، دانييل ويليامسون، بشرط أن ينفذ جميع صفقاته من قبل الأخير — وهو نوع من الرقابة، لكنه أيضاً فرض عليه الانضباط في التداول. اضطر لاستخدام رافعة مالية 1:5 (بعد أن كان معتاداً على 1:20)، مع تحديد حجم المركز عند 10% من رأس المال.
هذه القيود كانت بمثابة خلاصه.
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، زادت طلبات الأسلحة الأمريكية بشكل كبير. تسربت تقارير غير معلنة عن شركة بيلينغهام للصلب، وارتفعت أحجام التداول مع استقرار الأسعار — وهو مؤشر على تجميع السيولة. بدأ من 5,000 دولار، وفي يوليو 1915، اشترى بنسبة 5% من رأس ماله عند سعر 50 دولار. في أغسطس، زاد إلى 30% عند 60 دولار. في سبتمبر، رفض وقف الخسارة عند 58 دولار، لأنه رأى أن الاتجاه الصاعد لم ينكسر.
بحلول يناير من العام التالي، ارتفعت الأسهم إلى 700 دولار — أي 14 ضعف الربح. وحقق مرة أخرى 3 ملايين دولار.
المال والطبيعة البشرية: سلاح وول ستريت النهائي يوجه نحو نفسه
على مدى الثلاثين عاماً التالية، استمر ليفرمو في قصته عن المال والنساء. أنشأ شركة تداول رسمية، وحقق أرباحاً بقيمة 15 مليون دولار، وامتلك مكتباً ضخماً يضم 60 موظفاً. في 1925، حقق مليون دولار من تداول القمح والذرة. وفي انهيار وول ستريت عام 1929، حقق مرة أخرى مليار دولار من البيع على المكشوف.
لكن هذه الأموال استُهلكت في الطلاق، والضرائب، والإنفاق المفرط.
بعد طلاقه الطويل من زوجته الأولى، تزوج من راقصة موهوبة من فرقة زيغفيلد، دُرّجت على أنها عشيقته، وأنجب منها طفلين، لكنه كان على علاقة غرامية مع مغنية الأوبرا الأوروبية أنيتا فينيس، حتى أنه سمى يخته الفاخر باسمها. كانت دُرّوسي تدمع من الكحول، وفي عام 1931، طلقها، وحصل على 10 ملايين دولار كتعويض، وبيع ممتلكاته التي اشتراها بـ3.5 مليون دولار بسعر بخس قدره 22,200 دولار.
في 1932، التقى ليفرمو بامرأة تدعى هارييت ميتس نوبل، كانت تبلغ من العمر 38 عاماً، وربما أساءت تقدير وضعه المالي حينها — إذ كان مديوناً بمبلغ 2 مليون دولار. بعد إفلاسه الأخير في 1934، اضطُر هو ورفيقته للانتقال من شقتهما في مانهاتن، والاعتماد على بيع المجوهرات للعيش.
كتب مجلة نيويوركر: “ليفيرمو دقيق كالمشرط في السوق، لكنه أعمى تماماً في الحب. طوال حياته، كان يبيع على المكشوف في السوق، لكنه دائمًا يشتري في الحب — وكلاهما أدّيا إلى إفلاسه.”
النهاية: صوت الرصاص والكلمات الأخيرة
في نوفمبر 1940، انتحرت هارييت في غرفة فندق باستخدام مسدس ليفرمو، وكتبت في رسالة أنها “لا تستطيع تحمل الفقر وإدمانه على الكحول”. وفي 28 نوفمبر 1941، قبل عيد الشكر، سُمع صوت إطلاق نار في غرفة ملابس فندق شيري-هولاند في مانهاتن.
كان عمره 63 عاماً، واختتم حياته بمسدس كولت من عيار 32، وهو نفس السلاح الذي اشتراه بعد أن حقق أرباحه الكبيرة من البيع على المكشوف عام 1907، وكأنه دائرة القدر.
كتب على ورقة صغيرة ثلاث جمل:
“حياتي كانت فشلاً” “لقد سئمت من القتال، ولم أعد أتحمل” “هذه هي الخروج الوحيد”
وكان معه فقط 8.24 دولارات نقداً وتذكرة سباق خاسرة منتهية الصلاحية. حضر جنازته 15 شخصاً، بينهم اثنان من الدائنين. كانت لوحته في البداية فارغة، حتى جمع معجبوه في عام 1999 ليكتبوا عليها:
“حياته أثبتت أن أشرس سلاح في التداول سينقض على صاحبه في النهاية.”
تأملات الأتباع: ماذا ترك ليفرمو؟
مر ليفرمو بأربع حالات من الصعود والهبوط، وأصبحت قوانينه في التداول مرجعاً كلاسيكياً. رغم أن حياته انتهت بمأساة، إلا أن رؤاه عن السوق والطبيعة البشرية لا تزال ذات صلة حتى اليوم:
“وول ستريت لم تتغير أبداً. الجيوب تغيرت، والأسهم تغيرت، لكن وول ستريت لم تتغير لأنها لا تتغير طبيعة الإنسان.”
“الربح الكبير يعتمد على الانتظار، وليس على التداول المتكرر.”
“السوق لها جانب واحد فقط، وليس صعودياً أو هبوطياً، بل الجانب الصحيح.”
“المضاربة هي أمتع لعبة في العالم، لكن الأحمق لا يمكنه لعبها، والكسول لا ينبغي له أن يلعبها، والضعيف نفسياً لا يُسمح له بالمخاطرة.”
مأساة ليفرمو ليست بسبب نقص في قدرته على التداول، بل بسبب استسلامه لضعف الإنسان. كان يستطيع التنبؤ بدقة بالسوق، لكنه لم يكن قادرًا على التنبؤ برغباته. قصته تذكر كل متداول: السيطرة على السوق أسهل بكثير من السيطرة على النفس. الدرس الأول في إدارة المخاطر هو دائماً إدارة النفس.